الرئيسة/  مقالات وتحليلات

عرفات يرى القدس من اثينا ودرويش يمتلك قلوبا بكل الجنسيات

نشر بتاريخ: 2017-08-22 الساعة: 10:11

بقلم عماد الأصفر- يقال ان الشعوب لا تنتج شخصيات عظيمة الا مرة كل مائة عام، قد نجتهد فنجد ادلة تثبت هذا القول، وقد نجتهد اكثر فنجد استثناءات، المسألة نسبية وتتعلق، اكثر ما تتعلق، بمدى تشددنا في معايير العظمة.

ويبدو اننا كفلسطينيين قد اخذنا حصتنا من العظمة في ياسر عرفات ومحمود درويش، ومن جاورهما وكان لهما معايشا –هذا حتى لا يغضب احد- فهل علينا ان ننتظر مائة عام؟، وهل يبدأ العد التنازلي للأعوام المئة من ولادة آخر عظيم ام من تاريخ وفاته؟ الثابت ان العظيم المُنتظر لن يولد بكبسة زر مع انتهاء العد، ولكنه سياتي فرصة تتوج ضرورة، هيأ مناخاتها ونحتها جادون مجتهدون ساعون للعظمة.

. تميز القائد والشاعر، والى جانب ما حباهما الله به، بتكريس حياتيهما لما يحسنان صنعه، لم يغادر درويش لغته الى اخرى، ولم يترك الشعر لينكب على الرواية، ولم يغادر احساسه ليكون في أي موقع مهما كان شأنه وقيمته.

عندما ألح ابو عمار على درويش ليتولى وزارة الثقافة، رفض، فعاتبه قائلا: ألم يكن الكاتب الفرنسي الشهير اندريه مالرو وزيرا للثقافة في حكومة ديغول؟؟؟ فرد الشاعر: ولكنك ابو عمار ولست ديغول، وانا لست مالرو، وغزة ليست فرنسا.

درويش كان عظيما ليقول: "كل قلوب الناس، جنسيتي،،،، فلتسقطوا عني جواز السفر".  لقد كرس نفسه للشعر تماما كما كرس ياسر عرفات نفسه للقيادة، لا اجد مثالا على هذا التكريس خيرا مما رواه الكاتب والصحفي المخضرم حمدي قنديل في مذكراته "عشت مرتين" : اتفقنا عام 1956 مع ياسر عرفات وكان طالبا جامعيا مثلنا، على ان يكون السفر لحضور المؤتمر العالمي للطلاب في براغ عن طريق اثينا وبالباخرة، سبعة جنيهات لكل راكب مقابل المبيت على السطح، وفي اثينا اقترح علينا ياسر عرفات ان نزور هضبة معبد الاكروبول، من فوق الهضبة اخذ عرفات يحدق عبر منظار للتكبير ثم ناداني وطلب مني ان اشاهد فلسطين عبر المنظار فقلت له : فلسطين بعيدة جدا، فقال: ولكنني اراها بوضوح بل انني ارى قبة الصخرة تلمع.

ما زال حمدي يتسائل: هل خُيلت له فلسطين فعلا لشدة تعلقه بها، ام انه قد بدأ يلعب دور السياسيين؟ أيا كان الجواب فان طالب الهندسة في جامعة القاهرة قد كرس نفسه والى الابد لقضية شعبه، وفي خضم هذا التكريس صهر كل ما حباه الله به من مزايا ليصير ما صار اليه.

بعدها بسنوات طوال وفي عرض البحر على متن باخرة اخرجت الثورة من لبنان باتجاه اثينا، باغت صحفي اجنبي ابي عمار بالسؤال: -

-والآن، الى اين يا ياسر عرفات؟ -

- الى فلسطين.

كان جوابه حاضرا وسريعا ومباغتا ايضا، وكيف لا يكون الجواب حاضرا طالما انه عن قضية كرس نفسه لها بالكامل.

 لم يكن عهد عرفات خاليا من الزعامات القوية ولم تكن ظروفه الشخصية وظروف الكون عامة اعقد منها اليوم، ولم تكن فرص اكتساب المهارة والمعرفة متوفرة ومتاحة كما هي متوفرة ومتاحة امام شباب اليوم، ولم تكن معايير الديمقراطية والعدالة والكرامة الانسانية وفرص تمكين الشباب تعابير رائجة ايامها كما هي اليوم.

ربما يكون الفرق الوحيد هو ان ياسر عرفات كرس نفسه كليا لما يريد. قد ترون انه ليس الفارق الوحيد، ولكن الايمان بهذا كفرق أوحد قد يصنع الفرق.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024