الرئيسة

مغارة الدرجات وشقراق عرار.. آثار رافات القديمة

نشر بتاريخ: 2018-02-28 الساعة: 12:20

سلفيت-وفا-على بعد أربعة كيلومترات من عاصمة فلسطين الوسطى أيام اليونان، مجدل الصادق، وفوق السلسة الجبلية المحاذية للساحل الفلسطيني إلى الشرق من يافا، وإلى الغرب من سلفيت، تقع قرية رافات الأثرية على أساسات مبان وأرضيات مرصوفة بالفسيفساء والبلاط والمدافن والصهاريج.

وتفيد المسوحات الأثرية بأن قرية رافات، سُكنت أيام الكنعانيين والفنيقين والآشوريين والفراعنة واليونانيين والرومان والعرب والعثمانيين.

بروفيسور التاريخ في جامعة النجاح الوطنية سابقا، جمال جودة، قال: سكنت القرية حضارات متعاقبة بديانات مختلفة، فبعض الديانات كاليونانية آمنت بحرق الجثث، لأن الجثة نجسة يجب ألا تبقى، والروح هي الأساس، وهذا يُفسر وجود مغارة الدرجات وسط قرية رافات.

يعرف المكان ببئر الدرجات، حيث تظهر على سطح الأرض خرزة بئر لانتشال الماء، وهي المكان الأول الذي يبدأ حفر البئر منه، ومن الجهة المجاورة خمس درجات نبت عليها العُشب، توصل إلى مغارة صغيرة ملاصقة للبئر، تحتوي على طاقات صغيرة متراصة ومحفورة على الجهات الأربع.

يقول جودة: أعتقد قديماً أن هذا المكان محل عطارة مخصص للطب الشعبي، بحيث توضع الأدوية في هذه الطاقات، ولكن بعد البحث والتدقيق في كتب التاريخ والآثار، تبين أن هذا نظام "كولومباريوم" وهو دفن رماد الموتى في قوارير، بحيث تتم مراسم حرق الجثة في الأعلى، ثم يجمع رماده ويضع في قارورة داخل إحدى هذه الطاقات، وهي مأخوذة من فكر اليونانيين والرومانيين، الذين بقوا في فلسطين حوالي 1000 عام، وهذه المقبرة تؤكد أن المنطقة كانت مسكونة بأعداد كبيرة من الناس، وهذا الأسلوب في الدفن يوجد أيضاً في "رمات راشيه" بالقرب من القدس، وفي "خربة مدرس" بالقرب مكن الخليل.

في موسوعة بلادنا فلسطين، ذكر مصطفى الدباغ: يرجع تسمية رافات إلى الجذر السامي "رفا" بمعنى اللين والتراخي، وعليه يكون معناها مكانا للراحة والاستشفاء، ويوجد في الوطن ثلاث قرى تحمل نفس الاسم، واحدة في محافظة الخليل تقوم على أراضي قرية السموع، والأخريان في محافظة القدس، واحدة منهما تحمل اسم "دير رافات".

ويضيف جودة، وقعت فلسطين قديما بين قارات العالم القديم، أوروبا وآسيا وإفريقيا، وبذا كان لها موقع حضاري وتجاري وجغرافي واستراتيجي هام، وهكذا كانت محط أنظار جميع الدول والإمبراطوريات في العصور القديمة والوسطى والحديثة، فاحتلتها جميع الدول، ونتيجة لذلك تلاحقت على أرضها جميع الأفكار والحضارات، وبناء عليه كانت ثقافة سكانها عالمية، ولعلّ هذا ما يفسر نزول الديانات على سكانها.

ويتابع: تؤكد نقوش موجودة على قبر قديم يعود للألف الثاني قبل الميلاد، أن سكان رافات عبدوا الشمس والقمر وكان إلههم إله الكنعانيين "ايل"، وتبين بقايا البنايات القديمة كالمعابد والقصور، وكثرة المقابر الحجرية الفردية والجماعية، ووجود الفسيفساء تحت البنايات الحالية وفي بعض الساحات، على كثرة عدد سكان البلدة في الفترة اليونانية والبيزنطية، وفي القرن الثالث عشر الميلادي وفي الفترة المملوكية، ويظهر الجامع الذي بناه الظاهر بيبرس أن البلدة كانت مسكونة، وعدد سكانها لا بأس به، وعندما سيطر العثمانيون على بلاد الشام في القرن السادس عشر الميلادي، كانت البلد مسكونة وبيوتها من الحجر.

وتتميز القرية بوجود جبل عرارة الأثري، الذي يحوي على بركان قديم حصل قبل 60 مليون سنة، خرجت منه حمم بركانية "لافا"، وتظهر إلى اليوم التربة والحجارة السوداء، ويحوي المكان أيضاً مغارة كارستية تبرز ظواهر طبيعية مدهشة تعرف بـ "شقراق عرارة".

ويوجد في القرية مسجد الوالي، الذي يعود إلى الفترة الصليبية، وبحسب الدباغ، كان في القرية مسجد قديم ظل قائما حتى الحرب العالمية الأولى ثم هدمته القنابل، لأن رافات كانت في منتصف الجبهة الحربية وما تزال توجد بلاطة بجانب المحراب عليها الكتابة الآتية: ("بسم الله الرحمن الرحيم، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله". عمر هذا المسجد العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عبد الواحد. ووافق عليه ناظر الزيتون المعروف بعبد الله. تاريخ اثنين وستماية وسبعين). وقد تم إعادة إعمار هذا المسجد لاحقاً وأضيفت إليه مئذنة.

تحيط بقرية رافات خربة كسفا، وهي القرية التي أقطعها الظاهر بيبرس سنة 663 هجرية مناصفة بين قائدين من قادته هما، الأمير شرف الدين بن أبي القاسم، والأمير بهاء الدين يعقوب الشهرزوري". وتحتوي كسفا على جدران مهدمة وبركة وصهاريج معصرة ومدافن منقورة في الصخر وطريق رومانية، وخربة أم البريد التي تحتوي على أساسيات وجدران مهدمة ومغر وصهاريج وأبراج للحمام ونقر في الصخر، وخربة أم التينة.

تشير أوراق الطابو العثمانية إلى أن رافات كانت تدفع ضرائب للدولة العثمانية، ومع نهاية الحكم العثماني وبعد الحرب العالمية الأولى، كان يسكن القرية ما يقرب من 150 شخصا، موزعين على عائلات عياش وجودة وشحادة وأبو عصبة وجاد الله. أما اليوم فيبلغ عدد سكانها نحو 2500، وقد استقرت في القرية عائلات هجرّت من بلدانها، وهي: آل نواس، وآل أبو صفية، وآل أبو زر، وآل أبو ازريق.

khl

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024