الرئيسة/  مقالات وتحليلات

إيرَادَاتُ المَقَاصَّة ... سَيفٌ مُسَلّطٌ عَلَى رِقَابِ الفِلِسطِينييّن

نشر بتاريخ: 2018-02-20 الساعة: 08:53

بقلم: مؤيد عفانة تُشيرُ بيانات وزارة "المالية والتخطيط" إلى أنّ إجمالي الإيرادات للموازنة العامّة بلغ (13,141.6) مليون شيكل في العام 2017م؛ حيث تشكّل منها إيرادات المقاصّة مع إسرائيل مبلغ (8,722.2) مليون شيكل، في حين تشكّل الإيرادات المحليّة بأشكالها كافّة مبلغ (4,419.4) مليون شيكل، وهي تشمل: الإيرادات الضريبية المحلية وبمبلغ (2,750.4) مليون شيكل، والإيرادات غير الضريبية، مثل: "الرّسوم المختلفة، والرّخص، والعوائد الاستثماريّة" مبلغ (1,404.1) مليون شيكل، والمدفوعات المخصصة (264.7) مليون شيكل.

وبقراءة أخرى للبيانات الخاصّة بإجمالي الإيرادات العامّة للعام 2017م، نجد أنّ إيرادات المقاصّة الواردة من خلال التّبادل التّجاري مع إسرائيل شكّلت (66.4%) من إجمالي الإيرادات العامة، في حين بلغت الإيرادات المحلية الأخرى كافّة، فقط (33.6%) من إجمالي الإيرادات العامة؛ أي أنّ الإيرادات عبر المقاصّة مع إسرائيل تستحوذ على ثُلثَي الإيرادات العامّة. علما بأنّ إيرادات المقاصّة مع اسرائيل الحقيقية أكبر من ذلك، كون إسرائيل خصمت في العام 2017م مبلغ (959.6) مليون شيكل تحت مسمى "صافي الإقراض" عدا خصمها 3% من قيمة أموال المقاصة "بدل إدارة وخدمات"، أي ان إيرادات المقاصّة الحقيقية تصل الى 70% من اجمالي الإيرادات العامّة.

ووفقاً لبرتوكول باريس الاقتصادي النّاظم للعلاقة الاقتصاديّة ما بين السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة وإسرائيل، فإنَّ إسرائيل تقوم بجباية إيرادات نيابة عن السلطة الوطنية الفلسطينية، ويتمّ تحويلها عبر "تقاصّ" شهريّ للسّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، أُطلق عليها " إيرادات المقاصّة"، وهي تشمل: ضريبة الدّخل، وضريبة القيمة المضافة والشّراء والجمارك، وأيّة ضرائب ورسوم تترتب على التّبادل التّجاريّ بين إسرائيل والسّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، وتعمل وزارة المالية الإسرائيلية على حسم 3% من قيمة "المقاصّة" بدل خدمة إدارة "المقاصّة"، وعلى الرغم من كون برتوكول باريس الاقتصاديّ جزءاً من اتّفاقية أوسلو، ووقّع عام 1994م؛ لتنظيم العلاقة الاقتصاديّة بين السّلطة الفلسطينيّة والاحتلال الإسرائيليّ لفترة مؤقتة تنتهي عام 1999م، إلا أنّه لايزال معمولاً به منذ 24 عاماً، ولا يزال الاقتصاد الفلسطينيّ رهيناً لبنود الاتّفاق المنتهية صلاحيته، ولا يزال مفروضاً بحكم الأمر الواقع، ويكبّل مفاصل الاقتصاد الفلسطينيّ، ويتحكم بالنّسبة الكبرى من إيرادات السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة.

ومن خلال تحليل السّلسلة الزّمنية لواقع الموازنة العامّة منذ العام 2010م ولغاية الآن، فإنّ الدّعم الخارجيّ للموازنة العامّة تراجع وبشكل حادّ، وأضحى اعتماد الموازنة العامّة بشكل رئيس على الإيرادات الذاتيّة بشقيها (المحليّة، وعبر المقاصّة مع إسرائيل)، والّتي بدورها ارتفعت بشكل دال إحصائيّاً، إذ بلُغة الأرقام المطلقة، كانت إيرادات المقاصّة المتحققة في موازنة العام 2010م (4,783.4) مليون شيكل، ارتفعت في العام 2017م إلى (8,722.2) مليون شيكل؛ أي بارتفاع قدره (82%) عمّا كانت عليه، وعدا الزّيادة الطبيعيّة في عدد السّكان وعادات الاستهلاك في المجتمع الفلسطينيّ الّتي رفعت من وتيرة الإنفاق، هُناكَ أسباب جوهريّة و"خطيرة" للزّيادة الكبيرة لإيرادات المقاصّة، منها :إحكام إسرائيل لسيطرتها على جميع المعابر والمنافذ للضّفة الغربيّة وقطاع غزّة، وتراجع المُنتج الوطنيّ لصالح المُنتجات المستوردة، وحتى الصّناعات الوطنيّة باتت تعتمد في مُدخلات إنتاجها على المواد الخام المستوردة، كلّ هذه الأسباب وغيرها، وعلاوة على إغلاق الأنفاق التّجاريّة في غزّة، ساهمت في ارتفاع إيرادات المقاصّة، واستحواذها على اكثر من ثُلثي الإيرادات، الأمر الذي يجعل الانفكاك الاقتصاديّ عن إسرائيل مهمة شاقّة ومعقّدة، إن لم تكن مستحيلة في ظلّ الظّروف الرّاهنة والمعادلات القائمة بحكم الأمر الواقع، وقيود بروتوكول باريس الاقتصاديّ.

       وبالتالي فإن الانفكاك الاقتصاديّ يتطلب تغييراً ثورياً في المنظومة الاقتصاديّة القائمة، وليس فقط إبداء الرّغبة في ذلك، والتّغيير يجب أن يكون منهجيّاً، وبنهج تشاركي بين مكونات المؤسسات الفلسطينية كافّة (الرسميّة والأهليّة والأكاديميين والمختصين) من أجل تحقيق الأولويّة السّادسة في أجندة السّياسات الوطنيّة 2017-2022م، بالاستقلال الاقتصاديّ، ومواجهة التّحديات الّتي تواجه الاقتصاد الكلّي والتحديات الماليّة القائمة، وإنفاذاً لقرارات المجلس المركزيّ الفلسطينيّ في دورته الـ (28).

    فبقاء الوضع على حاله، يُنذِرُ بالأسوأ، والظروف الإقليميّة والدوليّة ستشجع إسرائيل على مزيدٍ من القرصنة على الموارد الفلسطينيّة، وإيرادات المقاصّة خاصّة، وعملياً تعمل إسرائيل على ذلك من خلال الخصومات التي تقوم بها لتلك الإيرادات شهريا، وعملها حاليّاً على إقرار تشريع لقرصنة أموال إيرادات المقاصّة تحت مسمى حجز الأموال المخصصة لأسر الشّهداء والأسرى الفلسطينيين، والحكم الذي أقرته المحكمة اللوائيّة الإسرائيلية بتعويض العملاء الفارين إلى إسرائيل من أموال المقاصّة، والبدء عملياً بذلك. إضافة إلى استخدام إسرائيل لأموال المقاصّة لابتزاز القيادة الفلسطينيّة على مواقفها الرافضة للإملاءات الاسرائيلية، أو معاقبة الشّعب الفلسطينيّ، كما حدث في الأعوام السّابقة، أو حتى لأغراض انتخابيّة، كما حدث في مطلع العام 2015م، أو ربّما في المستقبل القريب؛ للهروب من قضايا الفساد التي تعصفُ برئيس الوزراء الإسرائيليّ "بنيامين نتنياهو" من خلال خلق أزمة جديدة مع الفلسطينيين، لرفع رصيده في الشّارع الإسرائيليّ.

      وبكل الأحوال فانّ استمرار اعتماد الإيرادات العامّة على أموال المقاصّة، يمثّل التّكلفة الكبرى مستقبلاً، كون الاستقلال الاقتصاديّ والسّيطرة على الموارد هو أساس الاستقلال الوطنيّ، وبخاصة في ظلّ "تَنَمُّر" إسرائيل، واحتجازها للأموال الفلسطينيّة تحت مسميّات مختلفة، وكما أشرنا سابقاً، ستبقى إيرادات المقاصّة سيفاً مُسلطاً على رِقَاب الشّعبُ الفلسطينيّ.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024