الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حذارِ .. إلا المسجد الأقصى

نشر بتاريخ: 2017-07-16 الساعة: 12:03
من الأرشيف

الإجراءات الاستفزازية التي قامت بها سلطات الاحتلال في القدس عموماً، وفي محيط المسجد الأقصى خصوصاً، منذ صباح يوم الجمعة ، ايقظت كل الهواجس الفلسطينية والعربية والاسلامية دفعة واحدة، واستدعت من الذاكرة الحية كل ما قامت به اسرائيل من اجراءات مماثلة ضد المسجد الإبراهيمي في الخليل قبل نحو نصف قرن مضى، ادت الى تقسيم ذلك المسجد زمانياً ومكانياً، وأملت سابقة غير مسبوقة، نخشى حقاً ان تكررها القوة القائمة بالاحتلال مرة اخرى.

اذ بالذريعة الأمنية المعهودة ذاتها، وبالنوايا الاستعمارية التي لم تعد مبيتة على اي حال، اتخذت اسرائيل من جريمة باروخ غولدشتاين ضد الركع السجود في المسجد الابراهيمي، مبرراً لفرض امر واقع احتلالي جديد، بقوة الحديد والنار، دون ان تلتفت الى تبعات ذلك، او تحفل بأية ردود فعل من جانب من خاطبهم هذا الاستفزاز الاسرائيلي ، الامر الذي يثير لدينا مثل تلك المخاوف، ونحن نرى بأم العين اولى الخطوات الممهدة لإنفاذ المخطط الرامي الى تقسيم "الأقصى" ومن ثم هدمه، لإقامة الهيكل المزعوم مكانه.

ذلك ان اغلاق البلدة القديمة، ومنع اقامة الصلاة في رحاب المسجد الأقصى، فضلاً عن حظر التجول، وتحويل المدينة المقدسة الى ثكنة عسكرية، وغير ذلك من اجراءات احتلالية ، تبدو في مجموعها مشاهد اقرب ما تكون الى اعادة احتلال القدس مرة اخرى، توطئة لعمل كبير وخطير، من وزن تغيير الواقع القائم في اول قبلة للمسلمين، ووضع ملايين العرب واخوانهم في العالم الاسلامي امام حقيقة مثيرة وباعثة لأعمق ما في مشاعر هذه الامة من غضب، وجالبة لكل ما في مخزون وعيهم الجمعي من كراهية قد تعبر عن نفسها بشتى ردود الفعل المحتملة.

بكلام آخر، فهذا هو ثالث الحرمين الشريفين، هذا هو المسجد الاقصى الذي تهفو اليه قلوب الملايين في مشارق الارض وفي مغاربها، هذا هو قدس اقداس الفلسطينيين ، وهذه هي البقعة من الارض المباركة، التي ايقظت الجماهير من سباتها، وألهبت الخيالات وفجرت الانتفاضات، اي ان اسرائيل تعبث هذه المرة بالنار الحارقة لكل ما حولها، ببرميل البارود الذي قد تتطاير شظاياه في محيط اوسع من فلسطين ذاتها، الامر الذ يدعونا للقول؛ حذارِ يا اسرائيل من الاستهانة بكل هذا الفيض المتلاطم من المشاعر التي من شأنها تحويل الصراع السياسي الراهن الى حرب دينية لا تبقي ولا تذر.

في الوقت ذاته ينبغي تحذير انفسنا من التغاضي عن اي تدبير احتلالي ضد المسجد الاقصى، باعتباره مجرد تدبير احتلالي مؤقت، او الركون الى البيانات والتصريحات التي لا رصيد لها، او التعامل مع النوايا الاسرائيلية المعلنة ازاء تقسيم المسجد القدسي وكأن الامر لا يستدعي وقفة استثنائية من طبيعة مغايرة، او لا يستحق هذا التحدي الفظ اجراء مراجعة ذاتية عاجلة، ينبذ فيه الفلسطينيون خلافاتهم الصغيرة، ويترفعون معه عن حساباتهم الجزئية، ومن ثم يبادرون الى التوحد خلف هدف مصيري مشترك، وهو حماية المسجد الاقصى بكل السبل المشروعة والممكنة، فهذه هي ساعة من ساعات الحقيقة المتجلية.

ولا يفوتني تحذير شعوب وحكومات الدول العربية والاسلامية من مغبة المرور على هذا التطور الخطير، على حاضر ومستقبل القدس والمسجد الاقصى، مرور الكرام، والاكتفاء بإصدار بيانات الشجب والاستنكار التي لا تقيم لها اسرائيل اي اعتبار، فنحن جميعاً مام مفصل تاريخي ينذر بعواقب وخيمة، الامر الذي يتطلب التداعي لعقد مؤتمر قمة عربية - اسلامية على ارفع مستوى ممكن، وفي اقرب وقت، لاتخاذ ما يمكن اتخاذه من اجراءات رادعة بحق اسرائيل .

اني ادعو منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الى التنسيق الفوري مع المملكة الاردنية الهاشمية الشقيقة، بما لها من حق رعاية على الاماكن المقدسة، ولا سيما المسجد الاقصى، ناهيك عن الاشقاء في كل من مصر والسعودية، من اجل عقد اجتماع سريع لمنظمة التعاون الاسلامي على مستوى وزراء الخارجية، للتباحث في الموقف، والقيام بكل ما يمكن القيام به على الساحة الدولية، بما في ذلك الساحة الاميركية، لكبح جماح المخططات الاسرائيلية التي من شأنها تفجير الوضع في عموم المنطقة، وزيادة رقعة اللهيب المنتشر في هذه المنطقة سرعة الاشتعال .

هذه لحظة اختبار قاسية للإرادة الوطنية الفلسطينية، التي سبق اختبارها في مرات عديدة مماثلة، وكانت عند حسن الظن بها دائماً، خصوصاً عندما كان الامر يتعلق بالمسجد الاقصى. وعليه فإننا نتلهف لرؤية موقف فلسطيني شجاع يرقى الى مستوى التحدي المطروح علينا جميعاً، داخل فلسطين وخارجها، وهو ما يتطلب نبذ الخلافات والمماحكات المستفحلة، والتنادي لموقف وطني جامع، يلبي ما في الوجدان الفلسطيني من توق الى الاتحاد خلف هدف لا خلاف عليه ابداً، الا هو حماية المسجد الاقصى مما يتربص به من نوايا شريرة، دللت عليها اقتحامات المستوطنين اليومية لباحات المسجد المبارك.

اللهم أني بلغت اللهم فأشهد .

far

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024