الرئيسة/  ثقافة

حكاية الشمّري وشاميرا والصحافي المقاتل .. من حيوات ما وراء الملصقات !

نشر بتاريخ: 2018-01-24 الساعة: 09:53

رام الله- الايام- كثيرون بلا شك لم يسمعوا باسم "الشمّري"، ذلك الشهيد الذي زين بصورته أحد الملصقات له ولمجموعة من رفاق دلال المغربي في عملية كمال عدوان، مجموعة دير ياسين، في إحدى زوايا قاعة متحف ياسر عرفات، الذي أطلق، مساء أول من أمس، معرضاً بعنوان "ملصق"، احتوى ما يزيد على مائة وعشرين ملصقاً، وراء كل ملصق منها حكاية.

محمد صالح حسين الشمري، هو أحد منفذي العملية التي عرفت باسم عملية كمال عدوان أو عملية الساحل، أو فيما بعد باسم عملية دلال المغربي، يوم الحادي عشر من آذار العام 1978.

هذا المعرض أعاد الاعتبار لهؤلاء الشهداء الذين لم يذكرهم التاريخ إلا قليلاً، ولم يسعفنا محرك "جوجل" إلا بالنزر اليسير عمن ظهروا بسحناتهم وكوفياتهم أو أسلحتهم، كالشمري، وسكاف، وعبد الفتاح، وأبو منيف، وعبد الرحيم، فيما لم يظهر الآخرون في ملصقات شبيهة لرفاقهم في النضال والشهادة والأسر.

وقادت دلال سعيد المغربي، واسمها الحركي جهاد المجموعة، بصفتها المفوض السياسي لها، وكان محمود علي ابو منيف (أبو هزاع) قائد الدورية، ويحيى سكاف اللبناني من طرابلس قبطان الزورق المطاطي نوع زودياك، ومعه من ذات المدينة عامر أحمد عامرية، ومن لبنان أيضاً الشبل علي حسين مراد (أسامة)، وغيرهم.

واللافت أن محمد صالح حسين الشمري، واسمه الحركي "الشمري" يمني الأصل، وكان منخرطاً في صفوف الثورة الفلسطينية، استشهد برصاص قوات الاحتلال، في حين استشهد اليمني الآخر عبد الرؤوف عبد السلام علي الشهير بـ "عبد السلام غرقاً"، فكان عدد الشهداء 11 ما بين قتيل بالرصاص وغريق، فيما تم أسر اثنين خرجا لاحقاً في عملية لتبادل الأسرى، الأول حسين فياض ويعيش في الجزائر، والثاني خالد عبد الفتاح أبو اصبع ويعيش في الأردن.

وأسعفنا "جوجل" بأن جثمان الشمري لا يزال محتجزاً في ما يسمى بمقابر الأرقام لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ استشهاده قبل أربعين عاماً، وأنه من مواليد العام 1958، أي كان في العشرين من عمره حين استشهد وابن وطنه عبد الرؤوف عبد السلام علي، وانه من مواليد شمر باليمن، وأنه كان يحلم بالصلاة في المسجد الأقصى، وأنه كان يحب فتاه فلسطينية اسمها فاطمة، واتفقا على الزواج بعد العملية، حتى يحقق أمنيته بأن يصبح الفلسطينيون أخوال أولاده، لكنه أصيب أثناء العملية بكسر في قدمه اليمنى، ثم أصيب برصاصة قاتلة أدت إلى استشهاده.

وكان الشاعر السوري نزار قباني كتب مقالاَ بعد العملية قال فيه: إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة، على طريق طوله (95) كيلومتراً في الخط الرئيسي في فلسطين.

ويبدو أن "جوجل" بكل ما أوتي من معرفة عجز عن تقديم ما يفيد بخصوص "عملية شاميرا"، فقلبها إلى "عملية شاكيرا" نسبة لنجمة الغناء الكولومبية لبنانية الأصل الشهيرة، بينما هي وفق ملصق صادر كغيره، عملية فدائية نفذت في اليوم الأول من العام 1975، فـ "رداً على العدوان الصهيوني على النبطية والطيبة، اقتحم ثوارنا مستوطنة شاميرا لمدة 6 ساعات، حيث قضوا على أفراد العدو في هذه المواقع، وقد اعترف شمعون بيريس بهذه العملية" .. وفي الملصق صورة لشهداء العملية الثلاثة: جمعة قاسم أبو شقرة من الحولة في الجليل، وعبد المجيد حسن حسين من الدوايمة في الخليل، وعبد الرحمن نادر الخطيب من بورين في نابلس.

استعنت بخبير الاستيطان والخرائط خليل التفكجي، فأبلغني على الفور بأن ثمة خطأ ما، ليعود لي بعد دقائق قليلة بأن المقصود كيبوتس شوميرا المقام على أراضي قريتي طربيخا والنبي روبين، على الحدود الفلسطينية اللبنانية، في الجهة المقابلة للقرية اللبنانية "مروحين"، وتقع في المناطق الحدودية المتنازع عليها ما بين إسرائيل ولبنان.

ومما يبدو على محرك البحث العالمي، الذي استعاد ثقته بنفسه وثقتي الجزئية فيه بعد تصحيح التفكجي لما ورد من عنوان في الملصق، أن كيبوتس "شوميرا" على الحدود اللبنانية الشمالية بات منطقة سياحية رفيعة المستوى، علاوة على البعد العسكري للمنطقة، ففي العام 2006 تسللت وحدة خاصة من مقاتلي حزب الله إلى منطقة قريبة من "شوميرا"، واستولت على كميات ضخمة من الأسلحة والعتاد من مخزن أسلحة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي قرية زراعية استيطانية أقيمت في أربعينيات القرن الماضي.

والحكاية الملصقية الثالثة هي للشهيد رشاد محمد عبد الحافظ، ولمن لا يعرفه فالشهيد كان مديراً لتحرير "فلسطين الثورة"، ومما جاء عنه في الملصق أنه من مواليد شويكة بطولكرم العام 1946، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم من جامعة الموصل في العراق، وهو "مناضل وثوري فذ في حركة فتح منذ العام 1967، وعمل في التنظيم، وكان من أبرز العاملين لبناء التنظيم الثوري لحركتنا"، و"قبل التحاقه بالإعلام الموحد كمدير تحرير لفلسطين الثورة كان عضواً في لجنة الإقليم بالعراق".

وجاء في الملصق الأقرب إلى بيان "كان عميق الإيمان بوحدة الكلمة والرصاصة .. على صفحات فلسطين الثورة، وفي الطيونة وفي الشياح، سجل شهيدنا البطل رشاد عنفوان ثورته الجذرية الناضجة".

وحسب الملصق فإن "هذا الفتى الثوري العملاق سقط شهيداً في الطيونة يوم 24 نيسان، وهو يقاتل في متراس التحدي والصمود مع باقي إخوانه المقاتلين في فصيل الشهيد طلال رحمة"، هو الذي "كتب في فلسطين الثورة أروع عطائه الثوري في خدمة قضية الثورة والشعب"، فودعته "حركة فتح والإعلام الموحد وفلسطين الثورة بالقسم الثوري: إن مبادئك الثورية ستنتصر"، قبل أن تختم ما جاء في الملصق الذي في ثلثيه برتقالي اللون، وفي الثلث الأيمن حيث الجزء الأكبر من صورة الشهيد بالبنيّ، بعبارة "بالدم نحمي الثورة، وبالدم نكتب لفلسطين".

واقتبس مما كتبه الزميل حسن البطل في زاويته الشهيرة بجريدة "الأيام"، وأعني "أطراف النهار" في الثاني والعشرين من تشرين الثاني 2017، إذا قال "(...) تذكّرت، مثلاً، زميلي في هيئة تحرير فلسطين الثورة، رشاد عبد الحافظ، خِرِّيج كلية العلوم في جامعة الموصل، ومدير تحرير المجلة، الذي قضى بطلقة بين عينيه في محور الشيّاح ـ عين الرمّانة. كان جنينه الأول في رحم زوجته في الموصل، ولن يراه أبداً".

حكايات موجعة ومجهولة لدى الغالبية يعيدها متحف ياسر عرفات، في معرضه "ملصق" الذي يمتد على قرابة عقد ونصف العقد من الزمن، لمجموعة تزيد على مائة وعشرين ملصقاً قدمها للمؤسسة والمتحف التي تحمل اسم الرئيس الشهيد، أو كما قال درويش "الفصل الأطول في حياتنا"، وراء كل واحد منها حكاية، وربما حكايات، كما وراء كل شهيد حياة بل حيوات.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024