الرئيسة

رجال في الكهف

نشر بتاريخ: 2018-01-14 الساعة: 12:06

طانا (نابلس) - وفا- تقول لوحة تعريفية حجرية مركونة أمام البناء القائم منذ 100 عام في هذا التجمع السكني الفلسطيني، إن طانا كانت مأهولة بالسكان منذ عام 1200 قبل الميلاد. ذلك الزمان كان يسمى بالعصر البرونزي المتأخر.

وفي عصر العالم المتشابك المفتوح الذي تدير فيه أجهزة اتصال ذكية حياة 7.5 مليار إنسان بشكل أو بآخر، لا يبدو أن التجمع الفلسطيني الذي يستطيع سكانه استخدام تلك التقنيات إضافة حجر فوق حجر كما استطاع الذين سكنوا هنا قبل 3200 عام.

وعلى مدى النظر، لا يظهر إضافة إلى بناء مسجد قدم شيد بدايات القرن الماضي على أنقاض ما يعتقد انه مقام ديني أي بناء آخر غير بناء من غرفتين مول تشييده منظمة اغاثية ايطالية في العام 2016 كمدرسة صغيرة للتلاميذ الذين يسكنون هنا.

إنها قرية من مبنيين اثنين مسجد، ومدرسة، وعشرات الكهوف.

لها اسم، وشكل هندسي، وتاريخ سحيق، وتم تداول قصتها في هيئات قضائية، وعسكرية إسرائيلية على مدار السنوات القليلة الماضية.

في هذه القرية يقطن ماجد عفيف حنني (62 عاما) منذ أيام حياته الأولى. وعبر تطبيق الخرائط التي توفرها تطبيقات متطورة جدا في الأجهزة الذكية، يمكن الوصول إلى سفح الجبل الذي يسكن فيه الرجل.

وتوفر خرائط جوجل إشارة محددة لهذا التجمع. صحيح أن والدته أنجبته على بعد كيلومترات من هنا، إلا بعد أيام من تلك الولادة لم يعرف غير هذا الكهف مسكنا.

مثله رجال آخرون، شوهدوا يخرجون من كهوف في طريقهم لإنجاز مهماتهم الصباحية.

ماجد وهو رجل يبدأ نهاره عند الرابعة فجرا، كان لا يزال حتى مطلع النهار يلازم الكهف.

يقول سكان قرية طانا، إن حياتهم في الكهوف ليست غريبة عليهم، فكثير منهم نشأوا هنا. ينحدر سكان القرية من بلدة بيت فوريك المجاورة، يعملون في رعي المواشي، وفلاحة الأرض في الشتاء.

ويقول حنني انه ووالده وجده الذين سكنوا هذا الكهف لم يعرفوا مهنة غير رعي المواشي. وظهر الابن الأصغر للرجل يقود قطيعا منحدرا إلى واد يقع أسفل المنحدر الصخري الذي يوجد به الكهف.

ويبدو الهبوط من الكهف إلى الوادي اقل صعوبة من الصعود.

في الضفة الغربية، ثمة تجمعات سكنية قليلة ما زال سكانها يقطنون في الكهوف في نابلس والخليل.

وتقع طانا على بعد نحو 20 كيلومترا في عمق سفوح نابلس الشرقية شمال الضفة الغربية، وهي واحد من التجمعات التي كافح أهلها للبقاء.

في السنوات الأخيرة فتح ملف توثيقي في منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية يستعرض التغيرات التي تجري هنا.

وفي كل مرة يسأل فيها حنني عن تلك التغيرات، تسود نغمة خيبة الأمل في نبرة صوته.

وقال، "حاولت بناء غرفة في بداية التسعينيات". والخشية الدائمة عند سكان القرية من الهدم قائمة على مدار الوقت.

وبعد أقل من عقد هدمت غرفة حنني التي أضافها أمام كهفه.

وهي الآن بعد أكثر من عقدين على توقيع اتفاقيات كانت من المفترض أن تفضي إلى سلام بين الفلسطينيين والدولة المحتلة ليست سوى أنقاض حجارة غلفها غبار الزمن مرمية أمام الكهف.

في الملف الذي تعرضه المنظمة الإسرائيلية "بتسيلم" تسود أرقام كثيرة تشير إلى هدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي المباني الـ46 في هذه القرية، ما دفع 152 من سكان القرية بينهم 64 قاصرا الى تركها.

لكن حنني أصر على البقاء هنا.

في منطقة تختلط فيها الصخور بالأرض الترابية اللينة وجد في تاريخ غير محدد يعتقد سكان القرية انه يسبق قدرة الإنسان على التأريخ كهف أصبح اليوم عرفيا لملك الرجل.

مع تكرار هدم أجزاء منه وهدم الغرفة الاضافية مرات عديدة تضاعف اصرار حنني على البقاء "نحن مثل السمك في الماء هنا، اذا خرجنا نموت".

مع مضي السنوات حول الرجل الكهف الى شكل هندسي امكن فيه استمرار حياته بالقدر المتاح.

فهو لا يمانع أن يسكن في سقف الكهف عنكبوت يظهر بيته في مواجهة خيوط الشمس الداخلة من باب الكهف.

تظهر الهندسة التكوينية للكهف متناسبة تمام مع سفح الجبل الذي يتخذ منه حنني ايضا مراحا رحبا لفرسه ومواشيه. وقال حنني "هذا كل عالمنا ، هذه حياتنا". ويسري شعور غامر بالراحة داخل الكهف عندما يتحدث الرجل عن مكوناته.

فهو غرفة للنوم فيها سريران له ولابنه الذي انطلق بقطيع المواشي نحو جبل مقابل.

وهو أيضا مكان لاجتماع العائلة التي يصل عدد أفرادها مع الأحفاد 22.

وهو مكان للاستحمام وايضا مكان لاستقبال النخب السياسية الفلسطينية القادمة من المقاعد الاولى.

"عندما كان سلام فياض رئيسا للحكومة زارنا هنا في هذا الكهف. اكتشف الحراس في ذلك اليوم تحت المقاعد أفعى".

الحياة الكاملة التي يعيشها حنني واخرون في هذه الكهوف تتعدى السعي وراء المواشي في النهار والنوم في كهوف ليلا.

في ليالي الشتاء الطويلة، يزور الرجل أصدقاء يلعبون الورق.

فهناك طاولة تستخدم للطعام قد تستخدم لجلوس الضيوف حولها. وهناك فتحات في سقف الكهف تستخدم مخزنا صغيرا لأغراض صغيرة، وهناك نتوءات صخرية تستخدم كمشاجب وعلاقات للملابس.

كان سكان الكهوف في بحر هذا النهار ينتظرون سقوط المطر، وكان ذاته حنني وابناء عمومته يجرون ما يلزم استعداد لذلك.

لا يبدو فرسان فارس ابن عم حنني متفائلا بهطول المطر. فهو يرعى قطيعا من المواشي في سفح جبل قريب من كهف عائلته.

لكن بحلول المساء قال السكان ان الأمطار هطلت.

تنز الماء من سقف كهف الرجل. "نقطة. نقطة (..) على الاقل بعيدة عن السريرين".

ماذا يمكن ان يفعل الرجل بكهف يعتقد انه موجود قبل قصة طوفان النبي نوح "ربما عمره 4500 لكنه صالح للنوم اليوم" يقول الرجل. "وقد نستخدم الكهرباء احيانا".

يقول ملف بتسيلم، ان سلطات الاحتلال "لا تعترف بخربة طانا كقرية جديرة بالتخطيط وتحظر البناء فيها لذلك فإن المجتمع المحلي غير مربوط بشبكتي المياه والكهرباء".

يستخدم حنني شبكة كهرباء ناعمة تولد الكهرباء فيها عبر لوحات شمسية. وأحيانا كثيرة لا تستطيع قدرة الكهرباء تشغيل تلفاز صغير في الكهف.

في عام 2005 قدم سكان طانا التماسا لمحكمة إسرائيلية معتقدين أنها ستكف ايدي الجيش عن هدم مساكنهم وكهوفهم.

في كانون الثاني عام 2009، رفض القضاة الالتماس وقبلوا بموقف الدولة الحكومة الاسرائيلية الداعي الى هدم طانا.

في الأعوام اللاحقة، كان الهدم يصل الى ساحة كهف حنني" اقتلعوا شجرة التين" قال الرجل.

في الخارج نمت شجرتا سدر وهو نبات صحراوي قاس وشجرة استوائية زرعها حنني طلبا للظل.

تقول منظمة بتسيلم "انه على الرغم من تصريحات الدولة في المحكمة بأن المنطقة التي يسكن فيها أهالي خربة طانا مطلوبة لأهداف إجراء التدريبات"، وهو ادّعاء قبل به القضاة ـ يتبين من دراسة نشرتها منظمة "كيريم نفوت" في آذار عام 2015 أنّه انعقدت تدريبات قليلة فقط في هذه المنطقة: وفق معطيات الدراسة فإنّه فقط في 5700 دونم (13.4?) من منطقة إطلاق النار، والتي تمتدّ على أكثر من 42 ألف دونم، تقام التدريبات التي تزيد عن مرة واحدة في ربع العام".

من داخل كهف حنني لا يمكن استطلاع غير حياة بسيطة جدا هادئة. لكن في المرات التي دخلت فيها ارتال الدبابات الإسرائيلية الى المنطقة تحول العالم الصغير الى شكل آخر.

يقول الرجل، "حياتنا بسيطة من دون ضجيج. عندما استحم في الكهف فقط عليّ أن اسدل الستارة ببساطة واستخدم الماء والصابون"

.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024