الرئيسة/  مقالات وتحليلات

جولة جنيف الثامنة عنوان لبداية مرحلة ما بعد «داعش"

نشر بتاريخ: 2017-12-04 الساعة: 10:10

عبير بشير على الرغم من مراوحة التحضيرات الواسعة التي سبقت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية معقولة للأزمة السورية، وتجديد المجتمع الدولي لدعمه لمفاوضات جنيف، وتأكيده شرعيتها الوحيدة، بعد محاولات روسيا المتعددة للالتفاف على هذه الشرعية، سواء عبر الهدن المحلية، أو مسار أستانا، أو عبر مؤتمر شعوب سورية في سوتشي الذي تحضر له موسكو، فإن الجزء الأول من الجولة الثامنة انتهى مثل اللقاءات السابقة من دون إحراز تقدّم يذكر. فالمفاوضات اصطدمت حتى قبل أن تبدأ بعقدة الأسد، إذ حضر وفد المعارضة الموحد تحت سقف بيان الرياض الثاني والذي أكد أن الانتقال السياسي الذي يحقق رحيل بشار الأسد في بداية المرحلة الانتقالية هو الهدف الأساس، بينما ردت دمشق على ذلك بتأجيل وصول وفدها إلى جنيف يوماً واحداً. 
ولم يلتق الوفدان في قاعة واحدة لخوض مفاوضات مباشرة، وهوما كان المبعوث الدولي دي ميستورا يتطلع إلى تحقيقه في هذه الجولة. وكان هناك صدام واضح بين وجهتي نظر دي مستورا، والوفد الحكومي السوري حول دوره في العملية التفاوضية، إذ اتهم رئيس الوفد بشار الجعفري دي مستورا بالخروج عن صلاحياته كوسيط دولي، وذلك على خلفية الورقة الجديدة التي قدّمها حول المبادئ الأساسية للحكم في سورية، والتي أخذت بعين الاعتبار بعض مطالب وفد المعارضة السورية، ولا سيما فيما يتعلق بإصلاح الجيش السوري وإعادة بناء الأجهزة الأمنية والمخابرات. 
وخلال الجولة الأخيرة في جنيف، أصرت المعارضة على اعتماد دستور الخمسينيات، في حين لا يزال النظام متمسكاً بدستور 2012، وامتد الخلاف ليشمل أيضاً سلة الانتخابات، وهل ستكون الانتخابات برلمانية فقط، أم برلمانية ورئاسية، مع عدم نقاش مصير الأسد، وما هو الجدول الزمني لهذه الانتخابات؟ إضافة إلى تباين جوهري بين خياري «الإدارات المحلية» الذي يطالب بها وفد الحكومة، ونظام اللامركزية الذي ينادي به وفد المعارضة. والأهم هو أن المسألة هنا تتعلق برؤيتين متناقضتين: المعارضة تنطلق من الوثائق والتفاهمات الدولية الخاصة بسورية، في حين يعتمد النظام أسلوب المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، أي إبعاد الشرعية الدولية وقراراتها، وترك المفاوضات لموازين القوى. 
وقد لخص دي ميستورا مشهد جنيف الثامن حتى قبل أن يبدأ بالقول: لا تتوقعوا حلولاً للأزمة السورية خلال الأشهر القادمة، مع الإقرار بأن هناك تطورات سياسية إيجابية تحيط بمسار التسوية السورية. 
تلك التطورات تتمثل: أولاً، في انتهاء مؤتمر أستانا من مهمته الإستراتيجية المتعلقة بتثبيت وقف إطلاق النار في المناطق الأربع المحددة لخفض التوتر، وثانياً، إنهاء الوجود الإستراتيجي لـتنظيم داعش في العراق وسورية، مع ما يعنيه ذلك من تهيئة الأجواء لعودة ثنائية النظام والمعارضة للمشهد السياسي، وهي الثنائية الضرورية لحل الأزمة السورية. وفي أي حال يعرف الأسد أن تغليب الإرهاب على الصراع الداخلي انتهى أو يكاد، كذلك الرهان على استحالة أو عرقلة توحيد المعارضة، أي أن عليه أن يتهيّأ الآن لمقاومة استحقاقات الحل السياسي. 
كما شكّل استدعاء القيصر بوتين المفاجئ للرئيس السوري إلى منتجع سوتشي للقائه – قبيل القمة الثلاثية - بوجود طابور من كبار الجنرالات الروس، وإبلاغ المضيف ضيفه بأن عليه أن يدرك أن هؤلاء الجنرالات هم الذين صنعوا صموده، وهم الذين أبقوه في قصر المهاجرين حتى الآن، بعدما بالغت طهران في ادّعاء أبوة الانتصار على "داعش"، كما صارح بوتين الأسد بأنه سيبقى في السلطة فترة رئاسته لكنه كما قيل فإنه سيكون آخر علوي يتسلّم الرئاسة. وأسمع بوتين الأسد مباشرة أن العملية السياسية - يجب أن تبدأ- تأسيساً على احتواء الصراع المسلّح بـمناطق خفض التصعيد، وانتهاء الحرب على الإرهاب. واللافت هو أن رئيس أركان القوات الروسية فاليري غيراسيموف قد أطلق بعد لقاء سوتشي هذا مباشرة تصريحاً تحدث فيه عن أن موسكو ستقوم بسحب غالبية قواتها الموجودة في سورية، وهذا تهديد واضح للرئيس السوري بأن عليه أن يلتزم بكل ما قاله له فلاديمير بوتين. 
ويعد اجتماع القمة الثلاثية – روسيا، تركيا، إيران - في سوتشي نقطة تحول مهمة في مسار حل الأزمة السورية، حيث دعت القمة إلى اعتماد دستور جديد لسورية، وإلى إجراء انتخابات شفافة برعاية دولية بمشاركة السوريين في الداخل والخارج. ولم ينس المشاركون في اجتماع سوتشي بالطبع الإشارة إلى جهودهم في عملية أستانا التي اعتبروا أنها «ساهمت في الحفاظ على وحدة سورية، وأدت إلى إنشاء مناطق خفض التصعيد والتهدئة. وأعربوا عن تأييدهم لفكرة بوتين حول عقد «مؤتمر وطني سوري» قريباً، مع تأكيد موسكو أن المؤتمر لن يكون بديلاً عن جنيف إلا أنها تراهن على دعم أنقرة وإقناعها قسماً من المعارضة بالانضمام إليه، وربطه بعملية أستانا. 
تزامن ذلك مع تطور مهم، وهو رعاية الرياض لمؤتمر لتوحيد المعارضة السورية والخروج بوفد موحد لمفاوضات جنيف شمل منصتي القاهرة وموسكو، وشكل المؤتمر انتقالاً في الخطاب السياسي باستخدام الصفة المعيارية بدلاً من الصفة التقريرية. 
وأيضاً لا يمكننا أن نقفز على مكالمة الستين دقيقة التي جرت بين بوتين والرئيس الأميركي ترامب حول سبل حل الأزمة السورية. 
وتكمن أهمية كل هذه التطورات في أنها حددت المفاوضات السياسية كعملية وحيدة للوصول إلى حل للأزمة السورية، وبالتالي لم يعد هناك فائض من المناورة للنظام السوري للهروب إلى ساحة الميدان كلما فشلت المفاوضات. 
وضمن المسارات التي تتزاحم تحت شعار دعم مفاوضات جنيف، برز الموقف الأميركي، في جانبين: أولهما، إعلان هادئ مفاده بأن مسار مفاوضات جنيف هو المسار الوحيد للحل السوري، على ما جاء في تصريح لوزير الدفاع الأميركي أخيراً. وثانيهما، تصريح أميركي عن إرسال ألفي جندي أميركي إلى الشمال السوري. والغرض من هذين الإعلانين اللافتين هو تذكير الأطراف المعنية، لا سيما روسيا وإيران، بأن القوة الأميركية هي التي ترسم الحدود الفاصلة بين القوى النافذة في الصراع على سورية، وأنها هي التي تلزم الأطراف المعنية بتغيير مواقع وجبهات حربها بعيداً من عفرين في الشمال الغربي تارة، وعن حقول الغاز والنفط تارة أخرى، كما هي الحال في جنوب سورية أيضاً، حيث المنطقة المنخفضة التصعيد وطبعاً لصالح إسرائيل. 
ورغم أن القيصر بوتين أثبت من دون شكّ أنّه قادر على تغيير المعادلات في سورية. الدليل على ذلك أن الأسد الابن ما زال في دمشق. صحيح أن بوتين بحاجة لورقة بشار الأسد حتى إشعار آخر، وبقاء الأسد في هذه المرحلة يوفر لبوتين مساحة كبيرة للتأثير على طهران القادرة على وضع العراقيل أمامه، كذلك لا يغفل بوتين وجود خصم شرس هو إسرائيل ربط أمنه القومي بالوجود الإيراني في سورية. وعليه أن يلعب بدقة وحذر شديد على «الكراسي الموسيقية» للمطالب المعقدة لإسرائيل وقدرتها على قلب الطاولة. غير أن بوتين يدرك أن الولايات المتحدة هي صاحبة القرار النهائي في التوقيع على خريطة التفاهمات والغنائم الختامية. 
رحلة الآلام السورية ما زالت طويلة سواء في مسارات سوتشي أو جنيف، ومع ذلك فإن تلك المحطات هي عنوان بداية لمرحلة ما بعد القضاء على "داعش" بكل عناوينها وتفرعاتها: النفوذ الإيراني، مصير الأسد، وطبيعة النظام المقبل....

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024